Skip to content
عبد الباري عطوان
تستضيف العاصمة السعوديّة الرياض غدًا الاثنين قمّة عربيّة إسلاميّة مُشتركة من المُفترض أن يُشارك فيها 57 زعيمًا عربيًّا وإسلاميًّا، لبحث أبرز التطوّرات السياسيّة في المِنطقة والعالم وعلى رأسها حرب الإبادة التي تشنّها دولة الاحتلال في قطاع غزة ولبنان، وراح ضحيّتها حتّى الآن أكثر من 45 ألف إنسان أكثر من 70 بالمئة منهم من الأطفال والنّساء.
هُناك عدّة نقاط رئيسيّة لا بُدّ من التوقّف عندها في أيّ تعاطٍ مع هذه القمّة، والتِئام شملها، وبدء أعمالها:
- أوّلًا: تنعقد هذه القمّة التي من المُفترض أن تُمثّل عالما إسلاميا تعداده مليارا على الأقل، أي ما يقرب من ثُلُث سكّان العالم تقريبًا، وتمتلك ثروات نفطيّة وغازيّة وذهبًا ومعادن أُخرى مِثل اليورانيوم والليثيوم، ومع ذلك ليس لهذه الأُمّة أو قادتها أي وزن حقيقي، ولا يُوجد لهم تمثيل في المنظّمات الدوليّة، وخاصَّةً الأمم المتحدة ومجلس أمنها.
- ثانيًا: يأتي هذا الانعقاد بعد 13 شهرًا من ارتكاب إسرائيل حرب إبادة وتطهير عِرقي، ومجازر تستهدف المدنيين والأطفال والرضّع، وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بصُورٍ مُرعبةٍ للشّهداء والضّحايا، ولم يتحرّك هذان العالمان العربيّ والإسلاميّ، بينما أقدمت دُول في أمريكا اللاتينيّة والقارّة الإفريقيّة على قطع علاقاتها مع دولة الاحتلال وطرد سُفرائها مِثل نيكاراغوا والمكسيك وكولومبيا والبرازيل وجنوب إفريقيا والقائمة طويلة، بينما لم تُقدم أي دولة عربيّة مُطبّعة عُظمى أو صُغرى، على هذه الخطوة وتُغلق السّفارات الإسرائيليّة في عواصمها، وعلى رأسِها مِصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب، أو إسلاميّة عُظمى مِثل تركيا دولة الخِلافة الإسلاميّة لما يقرب من 500 عام.
- ثالثًا: أغلقت دول عديدة موانئها في وجه سفن الاحتلال المُحمّلة بصواريخٍ وذخائر، وقنابل دمار شامل، مِثل إسبانيا وما زالت دول عربيّة تُرحّب بهذه السّفن، وشاهدنا سُفنًا حربيّةً إسرائيليّة تمرّ من قناة السويس في وضَحِ النّهار.
- رابعًا: لم يتوقّف تدفّق النّفط والغاز العربي تحديدًا إلى العالم الغربيّ المُتواطئ مع حربِ الإبادة هذه والذي يُعتبر تطبيقًا لحقّ الدّفاع عن النّفس.
- خامسًا: هُناك خيبة أمل مُسبقة من قِبَل مُعظم الشّعوب العربيّة والإسلاميّة تُجاه هذه القمّة، خاصَّةً أنّ نظيرتها التي انعقدت في الرياض نفسها العام الماضي لم تتّخذ أيّ خطوات عمليّة في مُواجهة حرب الإبادة هذه باستِثناء بيان إدانة إنشائي لدولة الاحتلال سَمِـعنا وقرأنا مِثله ألف مرّة في جميع القمم واللّقاءات والاجتماعات الأُخرى عربيّة كانت أو إسلاميّة.
نَشعرُ بالمرارة ونحنُ نرى القادة والزّعماء العرب والمُسلمين يتجاهلون نداءات الثّكالى، والأُسَر المنكوبة التي أُبيد مُعظم أبنائها ورجالها وأطفالها، وجرى تدمير أكثر من 95 بالمئة من منازلهم في القطاع وجنوب لبنان، ويُديرون وجوههم إلى النّاحية الأُخرى وكأنّ الأمر لا يعينهم، وكأنّ الضّحايا ليسُوا عربًا أو مُسلمين، أو حتى بشرًا، ومن حقّنا أن نسأل هل تجري في عُروق مُعظم هؤلاء القادة دماء الكرامة، وهل يدينون بالإسلام فعلًا، وهل يعرفون شيئًا اسمه إنسانيّة وحماية المُقدّسات، وتلبية إغاثة المُستغيث، وهل يعرفون شيئًا اسمه القرآن والسنّة النبويّة، وإرث الرسول صلى الله عليه وسلم والصّحابة، والأئمة والصّالحين، خاصَّةً أنّكم تعقدون مُؤتمركم قُرب القِبلة الإسلاميّة والحرمين الشّريفين؟
نقولها لكُم مُسبقًا، لا نُريد بيان إدانة، ولا القرارات الإنشائيّة “المُعلّبة” عن انتهاكِ القانون الدولي، ومُناشدة الأمم المتحدة للتدخّل، نحنُ ومَـعَنا كُل شُعوبكم نُريد أفـعالًا لا أقـوالًا، نعرفكم جيّدًا، مثلما نعرف عن ظهر قلب تواطؤ بعضكم مع دولة الاحتلال وإقامته جِسرًا بريًّا لتزويده بكُلّ احتياجاته من الغذاء والفواكه والخضار الطّازجة، وربّما الأسلحة والقنابل القاتلة أيضًا، بينما أهلنا في الأراضي المُحتلّة يموتون جُـوعًا وعـطشًا وأنتم تتفرّجون.
لا نُطالبكم بتحريك جُيوشكم، فنحنُ نعرف فساد مُعظمها، والأهداف التي جرى تأسيسها من أجلها، وإنفاق مِليارات الدّولارات على تسليحها، فمُعظم هذه الجُيوش، إن لم يكن كلّها، لم تدخل حربًا إلّا وانهزمت فيها، ولهذا فإنّ رهاننا الذي لم يُخيّبنا مُطلقًا، وخاصَّةً هذه الأيّام، هو على رجال المُقاومة وأذرعها، وهو الرّهان الذي انتصر في العِراق، وأفغانستان، والآن في غزة ولبنان.
نُطالبكم فقط بالسّير على نهجِ الملك فيصل (السعوديّة)، والإمارات (بن زايد)، والجزائر (هواري بومدين)، والوقوف وقفة العز التي وقفوها أثناء حرب تشرين أوّل (أكتوبر) عام 1973 عندما قالوا مقولتهم المُزلزِلَة: النّفط ليس أغلى من الدّماء، وفرضوا حظرًا نفطيًّا أذلّ أوروبا وأمريكا، وأصاب اقتصادها في مقتل، فنحنُ الآن نُطالبكم بوقف إمدادات النّفط والغاز إلى العالمِ الغربيّ دون تردّد حتى تتوقّف حرب الإبادة هذه فورًا، ومُعاقبة كُل المُتورّطين فيها، وتقديمهم إلى محاكمٍ خاصَّةٍ لمُجرمي الحرب، ونحنُ نتحدّث هُنا عن الإسرائيليين وشُركائهم في أمريكا وأوروبا بل والعالمين العربيّ والإسلاميّ، ولكُم في وقفة أذرع المُقاومة في اليمن ولبنان والعِراق تضامنًا مع أهلنا في غزة والضفة ولبنان أشرف الأمثلة.
ربّما يُفيد التّذكير بأنّكم خرجتم المُستفيد الأكبر من هذه الخطوة الشّجاعة (حظر النّفط) من حيثُ ارتفاع سِعر برميل النفط من ثلاثة دولارات إلى 17 دولارًا في غُضونِ بضعة أشهر، فهل تشربون حليب الشّجاعة والكرامة وتُقدمون على هذه الخطوة مرّةً أُخرى، أمْ تنتظرون أنْ تُساقون بالكُرباج إلى حظائر العبوديّة التي يستعدّ نتنياهو لنصبها لكُم، واقتِطاع ملايين الهكتارات المُربّعة من أرضكم لتسمين دولته المُغتَصبة، وبدعمٍ من السيّد الأمريكي القادم المُسمّى دونالد ترامب؟