رجالات إردوغان يدخلون دمشق: تركيا رابحاً أوّل
طُويت صفحة بكاملها من تاريخ سوريا الحديث، امتدّت على 50 عاماً، مع مغادرة الرئيس السوري (السابق)، بشار اﻷسد، دمشق إلى جهة غير معلومة. ومع سقوط النظام، ربّما من تلقاء نفسه، دخلت عاصمة اﻷمويين فصائل المعارضة، وعمودها الرئيسي «هيئة تحرير الشام» و«الجيش الوطني السوري»، وهما خليط من الموالين لتنظيم «اﻹخوان المسلمين» والتنظيمات الدينية المتطرفة، فيما تجمعهما تبعيتهما لتركيا على مختلف الصعد التنظيمية والسياسية والعسكرية والمالية. وتعليقاً على التطورات المتسارعة، كان لوزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، كلمة شدّد فيها خصوصاً على أن «سوريا الجديدة لا ينبغي أن تشكّل تهديداً لجيرانها، بل أن تقضي على التهديدات»، داعياً إلى «تأسيس إدارة سورية جديدة لا تقصي أحداً، ولا تنتقم من أحد»، كما إلى المحافظة على المؤسسات السورية، ومن بينها الجيش. وأشار إلى أن قوات المعارضة السورية، التي دعاها إلى الوحدة، «تتكوّن من مجموعات مختلفة، لكن آلية التنسيق في ما بينها ستتحسّن في الأيام المقبلة». وقال: «أيّ امتداد لحزب العمال الكردستاني المحظور، لا يمكن اعتباره طرفاً شرعياً في سوريا»، مذكراً مرّة جديدة بأن «(الرئيس التركي رجب طيب) إردوغان مدّ يده من أجل تحقيق الوحدة في سوريا، لكن ذلك قوبل بالرفض»، منوهاً في المقابل بـ«الدور البنّاء» لروسيا وإيران في ما يخصّ المسألة السورية.
وﻻ شكّ في أنه في ظلّ تهاوي الجيش السوري الذي لم يحارب أصلاً، تُطرح علامات استفهام كبيرة حول خفايا ما حصل. ويمكن، في سياق سقوط النظام، تسجيل ما يلي:
1- إن الرابح اﻷول واﻷكبر، هو الرئيس التركي؛ ذلك أن الفصائل المسلّحة التي استولت على المدن السورية، وصوﻻً إلى دمشق، تابعة في كل شاردة وواردة ﻷنقرة. ولوﻻ الدعم التركي المباشر لهؤﻻء بالسلاح والتدريب والمال والتنظيم وكل شيء، ما كان لهذا الهجوم أن ينجح.
2- من شأن اﻻنتصار التركي أن يحيي النزعة العثمانية، ويدفع إلى القول إن إردوغان نجح ليس فقط في إقامة منطقة عازلة وآمنة مع سوريا، بل حوّل كل سوريا، باستثناء شرق الفرات، إلى محمية أو محافظة تابعة له. وما كان «يبشر» به من أنه سيصلي في الجامع اﻷموي، بات أمراً واقعاً، حيث سيدخل دمشق فاتحاً كما دخلها قبله السلطان سليم اﻷول والجنرال غورو.
3- اﻷهمّ بالنسبة إلى إردوغان، أنه سيكون في مقدوره تغيير الدستور، إذ يتاح له الترشّح من جديد عام 2028، ما لم تطرأ متغيّرات مفاجئة.
4- ﻻ شكّ في أن انتصار المعارضة قد تم التمهيد له على مدى سنة بكاملها، عبر ضرب «حزب الله» وإضعاف إيران، كما الضربات الإسرائيلية المتتالية للدفاعات والمنشآت السورية.
5- صورة سوريا الجديدة ضبابية، لكن لن يكون من الصعب توقّع نشوء فدرالية بين المسلحين (أو الجانب السني) واﻷكراد، فيما سيكون مصير منطقة العلويين في جبل العلويين موضع مساومات.
6- ﻻ شكّ في أن البلد الأكثر تأثراً اﻵن، سيكون لبنان، حيث ستتشجّع القوى المعارضة لـ«حزب الله» على العمل لنزع سلاح الأخير، والإتيان برئيس جمهورية موالٍ لواشنطن.
7- ستجد الوﻻيات المتحدة نفسها في مستوى من الغلبة لتصعيد الضغوط على إيران، وربّما إطاحة نظام الثورة الإسلامية، المعقل اﻷخير للقوى المعارضة للسياسات الغربية في المنطقة.
8- أمّا روسيا، فهي في موقع الخاسر الثاني بعد إيران. ولعلّ انخراطها في الحرب اﻷوكرانية كان من أهمّ عوامل تخلّيها عن اﻷسد، الذي سيشكّل سقوطه عامل تشجيع لكييف لرفع سقف مساوماتها لحلّ اﻷزمة اﻷوكرانية. على أي حال، سيسجَّل حدث إسقاط النظام البعثي في سوريا، وإحدى ركائز محور المقاومة، كأحد أهم اﻷحداث في الشرق اﻷوسط في العقود اﻷخيرة. وإلى حين اتضاح الرؤية أكثر، فإن التاريخ البشري يتّسم دائماً بعدم خضوعه للقوانين العلمية. وبالتالي، قد يجوز توقع ما هو غير متوقّع في منطقة كانت سجاﻻً بين إرادة الشعوب واستقلالها وحريتها، وبين غزوات الخارج اﻻستعمارية.
محمد نورالدين