«المالية» غضّت النظر عن السوق الموازية: معالجة أزمة الطوابع بـ«الإغراق»
تربّعت الطوابع على عرش المبيعات في السوق الموازية. فمنذ مدة طويلة، يعاني المواطنون من فقدان الطوابع وصعوبة الحصول عليها من دون دفع أضعاف سعرها الأساسي. تحوّل الأمر إلى ظاهرة متكرّرة تقودها حلقات من المافيات المترابطة التي تتحكم بآليات إمداد السوق بالطوابع وبأسعارها. هذا الأمر بدأ يظهر تزامناً مع تصاعد وتيرة الأزمة في نهاية 2019 من دون أن يسجّل تحرّكاً سريعاً لوزارة المال. والآن فقط، يقترح وزير المال يوسف الخليل على مجلس الوزراء، إغراق السوق بكميات من الطوابع لمكافحة هذه المافيات. يدرس مجلس الوزراء، في جلسته اليوم، اقتراحاً من وزير المال يوسف الخليل يتضمن أربعة بنود: تأمين كميات تكفي حاجة السوق من الطوابع الورقية، اعتماد آلات وسم الطابع المالي في كل الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات بدلاً من استخدام الطابع الورقي، السماح بدفع قيمة الطابع الورقي بموجب أمر قبض صادر عن صناديق وزارة المالية أو عن الإدارات العامة التي تستخدم نظام أوامر القبض العائد لوزارة المالية مهما بلغت قيمته وبصورة مؤقتة، والعودة إلى ما ورد في موازنة 2022 لجهة اعتماد الطابع الإلكتروني E-stamps وتأمين اعتمادات مالية للمباشرة بتطبيقه. تأتي اقتراحات الوزير، بعدما ناقشت لجنة الدفاع الوطني مسألة فقدان الطوابع من السوق أكثر من مرّة. وفي 19 كانون الثاني 2019، تلقّت اللجنة تقريراً من وزارة المال عن الإجراءات المتخذة لمكافحة السوق السوداء (الموازية)، وملخّصه أنه تم تسليم الطوابع المالية إلى المرخّصين بحسب برامج توزيع شهرية، واعتمد تسديد رسم الطابع المالي الورقي بموجب إشعار تسديد اعتباراً من مطلع 2023، ووضعت آلات وسم الطابع المالي في 18 صندوقاً لوزارة المال.
عملياً، كل هذه الإجراءات لم تنفع. إذ تبيّن بحسب وزارة المال أن النقص يعود إلى تخلّف مطابع الجيش عن تسليم الكميات المتّفق عليها تبعاً للاتفاق المعقود معها في 3 آذار 2021 لتأمين 150 مليون طابع على مرحلتين تنتهي في منتصف 2022. «لم يتم الالتزام بالجدول الزمني والكميات المطلوبة حيث تم تسليم 67 مليون طابع فقط من أصل 150 مليون طابع» تقول وزارة المال في كتابها إلى مجلس الوزراء. لذا، أجريت تسوية تقضي بخفض الكميات إلى 100 مليون طابع، أي إن ما تبقّى هو 33 مليون طابع تنتهي مهلة تسليمها في آذار 2023. ثم اتفق مجدداً بين الطرفين على تأمين 50 مليون طابع ضمن فترة 6 أشهر، وتسلّمت الوزارة 10 ملايين طابع، لم توضع في التداول بسبب اكتشاف نسخة ثانية يتم التداول بها في طرابلس «ما أدّى إلى توقف الطبع لنحو ثلاثة أشهر». ومنذ نحو شهر ونصف الشهر، وبعد صدور موازنة 2024، سلّمت مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش نحو 10 ملايين طابع من فئة الخمسة آلاف ليرة لتبقى الكمية المطلوب طبعها 30 مليون طابع.
اقتصرت إجراءات وزير المال لمكافحة احتكار الطوابع على تجميد بعض الرخص
في هذا الوقت، كانت مافيات الطوابع تنشط وهي تتألف من جهات (سماسرة) لديها ترخيص بشراء وبيع الطوابع، ومن غير المرخصين. يشتري «المرخصون» كميات من الطوابع لتفريغ السوق منها في موازاة نقص الإصدارات الجديدة، فيتم احتكار المخزون وبيعه بأسعار مضاعفة. ويقرّ الخليل، أن أساس المشكلة يكمن في طبع وتسليم كميات أقلّ بكثير من حاجة السوق، ما سمح «لبعض المرخصين باحتكار سوق الطوابع نتيجة تمكّنهم من الحصول على كميات كبيرة عبر صناديق طوابع المرخصين مباشرة أو عبر استئجار أو استثمار رخص طوابع أخرى بموجب وكالة؛ أو عبر رخص طوابع باسم أشخاص تابعين لهم أو عبر شراء حصص الطوابع الشهرية من مرخصين آخرين». ويضيف، إن أصحاب الرّخص لا يلتزمون بيع الطوابع المالية في محلات البيع وفقاً للرخص المعطاة لهم، كما أنهم لا يلتزمون بيعها بالسعر الرسمي بحجة أن جعالة الـ5% غير عادلة». وهذا الأمر لم يدفع وزير المال إلى «تأديب» التجار عبر سحب رخصهم أو تقديم إخبارات بهم إلى القضاء، بل جمّد 348 رخصة فقط.
يبدو غريباً في هذا السياق عدم مبادرة وزير المالية يوسف خليل إلى اتخاذ أي إجراء لكبح الاحتكار أو احتواء أزمة عمرها سنوات، كما عدم إدراج الموضوع ضمن موازنة 2024. علماً أن موازنة 2022 لحظت قراراً باعتماد الطوابع المالية «نموذج ص 14» التي يمكن تسديد ثمنها في أي شركة لتحويل الأموال. كما تم إقرار الطابع الإلكتروني الذي لم يجر العمل به حتى الساعة وسط تمسّك باعتماد الطوابع الورقية.
المصدر:”الأخبار”